هذا الصحابي الجليل الذي نكتب عنه شهد غزوة بدر ونال شرفها العظيم الجليل، وشارك بعدها في غزوة أحد، وفعل الذي فعله في تلك الغزوة، وخرج منها واحدى نساء المشركين تطلبه حيا أو ميتا. فان كان ميتا فقد نذرت أن تشرب في جمجمته خمراً تشفياً وانتقاما لأبنائها.
هذا الصحابي الجليل، كان قد لبى نداء الله تعالى، ونفذ تعاليم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، بذل نفسه وروحه في سبيل الله، لكنه كان قد أعطى الله تعالى عهداً ألاّ يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبداً، وقد لبى الله عز وجل له هذا الوعد، حتى انه سبحانه وتعالى حفظ "عاصم بن ثابت" وهو جثة هامدة!
أضواء كاشفة
عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب- رضوان الله عليه.
كان عاصم بن ثابت- رضي الله عنه - من المسارعين بالاستجابة لله تعالى، وآخى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عقب الهجرة بينه وبين البطل الشهيد العملاق عبدالله بن جحش الأسدي- رضى الله عنه.
شهد عاصم غزوة بدر المجيدة فنال شرفها العظيم، وتذكر المراجع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل المسلمين قبيل بدر: كيف تقاتلون؟
فقام له عاصم بن ثابت، وأخذ قوسه بيده وقال:
"اذا كان القوم قريباً مني مئة ذراع كان الرمي بالسهام".
ثم قال:
"فاذا دنوا مني حتى تنالهم الرماح كانت المداعسة (أى المطاعنة بالرماح) الى أن تقصف الرماح، فاذا قصفت الرماح وضعناها وأخذنا السيف وكانت المجالدة (أى المضاربة بالسيف).
فقال صلى الله عليه وسلم: "هكذا الحرب، من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم"
ماذا حدث في غزوة أحد؟
خرجت قريش كلها: سادتها وعبيدها الى لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد، كانت الضغائن تملأ الصدور، وجنون الثأر يتراقص في عقولهم لقتلاهم فى بدر.
وفى أحد خرجت نساء قريش، ليحرضن الرجال على القتال، ويبعثن الحمية في نفوسهم، وكان معهم: هند بنت عتبة، وريطة بنت منبه زوج عمرو بن العاص، وسلافة بنت سعد بن سهيل ومعها زوجها طلحة وأولادها الثلاثة: مسافع والجلاس وكلاب.
وحدث ما حدث في أحد، حتى إن بعض النسوة أخذن يمثلن بشهداء المسلمين أبشع تمثيل. الا أن "سلافة بنت سعد" كان لها شأن آخر، كانت تنتظر رجوع زوجها وأبنائها الثلاثة لتعرف منهم كل شيء وتشارك النسوة فرحة النصر على المسلمين.
طال الوقت، فساورها الشك، واضطرت للنزول إلى أرض المعركة، وفجأة وجدت زوجها مصبوغا بدمائه، فجن جنونها، فبدأت تبحث عن اولادها، وما هي الا لحظات حتى وجدتهم على سفوح أحد. كان "مسافع" و"كلاب" قد فارقا الحياة تماما، أما "الجلاس" فكان به بقية من أنفاس، انحنت الام على ابنها تسأله، فعرفت منه - قبل أن يلفظ انفاسه الاخيرة - أن "عاصم بن ثابت" قتل الجميع.
أقسمت الام أن تأخذ ثأر زوجها واولادها من عاصم بن ثابت، ورصدت مكافأة مالية لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ونذرت اذا أتوا به ميتاً أن تشرب في جمجمته خمراً.
وتواصلت الانباء لفتية قريش، لعل أحدهم يظفر بعاصم بن ثابت فيحصل على المكافأة.
سرية الرجيع
بعد الهجرة بثلاث سنوات انتدب رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من الصحابة الأماجد فى سرية للاستطلاع وعلى رأسهم "عاصم بن ثابت".
انطلق الأماجد ينفذون ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفجأة وجدوا قوة من المشركين تبلغ نحو المئة، فلجأ عاصم ومن معه بسرعة الى ربوة بقرب ماء لهذيل يسمى "الرجيع" بين عسفان ومكة.
ساءت الامور، إذ أحاط الرجال بعاصم ومن معه من الابطال، وجعل الكافرون يقولون لعاصم ومن معه -في مكر وخداع-:
"لكم العهد والميثاق ان نزلتم الينا ألا نقتل منكم رجلا".
كان عاصم بن ثابت- رضوان الله عليه- يعرف أن أهل الكفر لا عهد عندهم ولا ميثاق. رفض عاصم دعوة الكافرين، وقرر أن يقاتلهم، وأخذ يرمي بهم بالنبال حتى انتهت النبال، واخذ يطاعنهم برمحه حتى تكسر، فاستل سيفه وأخذ يضرب به فيهم.
شعر الصحابي الجليل أنه سيقابل الله شهيداً كريماً، ولم يبق الا أن يدعو ربه، فقال:
"اللهم إني حميت دينك صدر النهار، فاحم لحمي آخره".
واستمر يقاتل حتى نال الشهادة العظيمة.
وعندما قتل و حاول بعض المشركين ان يقطعوا راسه ليحملوه اليها حتى تبر بقسمها فاذا اعدادا هائلة من الدبابير التي جاءت
من مكان غير معلوم غطت جسم عاصم بن ثابت رضي الله عنه كله فلم يقدر احد من المشركين على الاقتراب منه وتركوه الى الليل و
في الليل جاء سيل حمل جثمان عاصم بن ثابت رضي الله عنه وذهب به..
وعندما اصبحوا لم يجدوا شيئا ...... وكان عاصم بن ثابت رضي الله عنه قد اعطى الله عهدا الا يمس مشركا والا يمسه مشرك
ابدا في حياته ...... فحماه الله في وفاته مما امتنع عنه في حياته ....