أخرجه الامام الترميذي في جامعه _ باب حفت الجنة بالمكاره _ ج2ص92.
388_ عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _
قال : لما خلق الله الجنة والنار , أرسل جبريل الى الجنة , فقال : انظر اليها ,
والى ما أعددت الى أهلها فيها , قال : فجاءها ونظر اليها والى ما أعد الله لأهلها فيها , قال: فرجع اليه , قال : فوعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها , فأمر
بها فحفت بالمكاره فقال : ارجع اليها , فانظر الى ما أعددت لأهلها فيها ,
قال : فرجع اليها , فاذا هي قد حفت بالمكاره , فرجع اليه , فقال : وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد _ قال : اذهب الى النار فانظر اليها , والى ما أعددت لأهلها فيها , فاذا هي يركب بعضها بعضا , فرجع اليه , فقال : وعزتك لا يسمع
بها أحد فيدخلها , فأمر بها فحفت بالشهوات , فقال : ارجع اليها , فرجع اليها , فقال : وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد الا دخلها .
قال أبو عيسى الترمذي _ رحمة الله تعالى :*حديث حسن صحيح *
الكلام على التمثيل , فقد شبه حال التكاليف الشاقةعلى النفوس , التي لا يصل
أحد الى الجنة الا بأدائها , والقيام بها , والمحافظة عليها , _ ومنها الصبر على
البلايا والمحن والمصائب ._ شبه ذلك كله بحال أسوار كثيفة من الأشواك , التي
يكمن فيها كل حيوان ضار : من الوحوش والحيات والعقارب وهذه الأسوار
الكريهة محيطة ببستان عظيم , تلتف به من كل مكان , بحيث لا يصل أحد الى هذا البستان , ولا يحظى بالتنعم بما فيه من النعيم , الا بعد أن يتخطى هذه الأسوار البغيضة , ويتجشم المشاق التي تلحقه حين سلوكه فيها , من وخز أشواكها , ولدغ عقاربها وحياتها , ومقارعة حيواناتها المفترسة .
ولا شك أن ذلك يحتاج الى جهاد شاق طويل , وصبر دائم , فكذلك الجنة لا ينالها
ويحظى بنعيمها الدائم السرمد , الا من تخطى شدائد دنياه , مجاهدا لنفسه , صابرا على ما يصيبه فيها , راضيا بقضاء الله تعالى , قائما بتكاليف الاسلام
خير قيام , مستهينا بكل شدة تعترضه , مسترخصا كل تضحية أمام مرغوبه
مضحيا بالنفس والمال أمام مطلوبه _ من الجنة .
وأما النار فقد حفت بالشهوات التي تميل اليها النفوس بطبعها , ولا يحتاج
مرتكبها الى تعب وعناء في ملابسها , بل ان نفسه تجذبه الى الانحدار اليها
والتردي فيها .
فالنار بئس المستقر , وساءت مرتفقا , ولكن أحيط بها كل ما ترغب فيه النفوس وتستلذه الأعين , فتقرب النفوس هذه الشهوات , وتجني من تلك اللذات
وهي تظن أنها بعيدة من الوقوع في النار , وكلما جنت منها لذة أوقعتها في لذة أحسن منها _ والنفس راغبة دائما في الزيادة , ولا تزال تنغمس في لذة
تحبها الى لذة أحسن منها , ولا تفيق حتى تقطع سور الملذات , فتقع في النار وهي لا تشعر , وتريد الخلاص منها , فلا تقدر .
فكل انسان يميل بطبعه الى الشهوات , لا سيما من كان في مجتمع سوء , وبيءة فاسدة , ولا يزال ينغمس في الشهوات , حتى يأته الموت , وهو غارق
في شهواته , غافل عما ينجيه من الايمان والعمل الصالح , فيقع في النار .
لذلك قال جبريل _عليه السلام_ بعد أن رآها قد حفت بالشهوات :
* وعزتك , لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد , الا دخلها *
أي دخلها مخلدا ان كان كافرا مشركا بالله غيره _ أو دخلها معذبا للتطهير
من ذنوبه ان كان مؤمنا عاصيا , اغترفت نفسه من الشهوات المحرمة .
نجانا الله تعالى من النار , وأدخلنا الجنة . آمين _ والحمد لله رب العالمين